خُدع مستخدمو تويتر قبل فترة بفيديو للممثل بيل هايدر يظهر قدرته العجيبة على تغيير ملامح وجهه لتشبه العديد من الممثلين وقتما يريد. انتشر الفيديو بن الناس لدرجة أن العديد من مشاهير الشبكات الاجتماعية خدعوا به ونشروه عبر حساباتهم غير مدركين أنهم يسهمون في نشر فيديو كاذب تم إنتاجه بتقنية الزيف العميق (Deep Fake).
لحسن الحظ قام الكثير بتصحيح وكشف حقيقة هذا الفيديو، والتي اتضح أنها كان مجتزئاً من أحد قنوات اليوتيوب التي تنشر مقاطع فيديو كثيرة انتجت بتقنية الزيف العميق، ولو تصفحت هذه القناة ستجد الكثير من مقاطع الفيديو التي تستبدل وجوه ممثلين بممثلين آخرين، ففي أحد المقاطع تم استبدال وجه الممثل جاك نيكلسون في فيلم الرعب الشهير The Shining بوجه الممثل جيم كاري، ولو لم تكن تعرف أنك تشاهد مقطعاً مزيفاً لظننت أن جيم كاري هو بطل الفيلم.
تعتبر تقنية الزيف العميق جديدة نسبياً، ولعل بضعنا عرفها حين شاهد العديد من مقاطع الأفلام التي تم استبدال وجه البطل فيها بوجه الممثل نيكولاس كيج، كما يوجد فيديو شهير للممثل جوردان بيل، الذي قام بإنتاج فيديو استخدم فيه وجه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما لإطلاق تصريحات كاذبة، وكان يهدف من خلال هذا الفيديو إلى توعية الناس بمخاطر الأخبار الكاذبة المدعومة بتقنيات تسهل صناعة الكذب بطريقة احترافية.
تعتمد تقنية الزيف العميق على الذكاء الاصطناعي في تركيب الوجوه، وهي تحتاج إلى عينة كبيرة من البيانات، ووقت طويل لتتمكن من استبدال الوجه بدقة كبيرة، لذلك سوف تجد أن أكثر المقاطع المنتشرة هي لممثلين أو شخصيات مشهورة. فكمية الصور والفيديوهات المتوفرة على الإنترنت لهذه الشخصيات متوفرة بكثرة، وهو ما يسمح لمن يريد استبدال الوجه بأن يدرب الذكاء الاصطناعي لصنع فيديو مقنع قدر الإمكان.
الحاجة إلى كمية بيانات ضخمة قد جعل غالبية الناس تشعر بالراحة، لأن ذلك يعني أننا لن نرى وجوهنا في فيلم أو مقطع فيديو مضحك، ولكن هذه الراحة قد لا تطول، ففي الأيام الماضية أطلقت شركة Momo الصينية تطبيق Zao الذي أحدث ضجة في الشبكات الاجتماعية والإعلام، رغم توفره في السوق الصينية فقط.
يقوم تطبيق Zao بأخذ صور لوجهك من العديد من الزوايا، وخلال ثوانٍ سيقوم باستبدال أوجه الممثلين في العديد من الأفلام والمسلسلات الشهيرة، مثل فيلم تايتانك ومسلسل لعبة العروش، ووضعك بدلاً منهم، لتجد وجهك في مسلسل لعبة العروش بدل وجه جون سنو. ولأن الناتج النهائي مضحك ومسلي، فقد قام ملايين المستخدمين الصينيين بمشاركتها مع أصدقائهم، ويبدو أن شبكة WeChat التي تعتبر منافساً لـ Momo غارت من شعبية التطبيق لدرجة أنها حظرت مشاركة مقاطعه عبر تطبيقها بحجة أنه يعتبر مصدر تهديد للأمن.
أثارت السرعة والدقة التي يعمل بها تطبيق Zao قلق المتابعين لتطورات الزيف العميق، فالمتعارف عليه هو أن الذكاء الاصطناعي يحتاج إلى بيانات كثيرة، كما أنه يحتاج إلى وقت طويل لتدريب الذكاء الاصطناعي كي تزيد دقة التركيب، ولكن أحد مستخدمي Zao قال أن التطبيق احتاج إلى 8 ثوان فقط من أجل إنتاج مقطع من بطولته في العديد من أدوار ليوناردو دي كابريو، ومع أن النتائج لم تكن دقيقة بنسبة 100% إلا أنها تعتبر خطوة كبيرة في عالم الزيف العميق.
تفاصيل غائبة
لا يقوم Zao بمعالجة الفيديو على الهاتف بل يقوم بإرسال البيانات إلى مزودات الشركة التي تعالج الفيديو، وهنا ندخل في التكهنات والتوقعات.
فنحن لا نعرف تفاصيل ما يحدث، وكيف يتم صناعة الفيديو؟ ولأن الشركة تسمح لك باختيار مشاهد معينة فقط لتضعك فيها، فذلك قد يعني أن الذكاء الاصطناعي للشركة قادر على التعامل مع هذه المشاهد فقط (في الوقت الحالي)، وقد لا يعمل بنفس الكفاءة لو قمنا باستخدام مشاهد أخرى.
قد تفسر هذه التوقعات السرعة التي يعمل بها Zao ولكنها لا تقلل من إمكانياته، فكما تم تدريب الذكاء الاصطناعي على هذه المشاهد، فيمكن تدريبه على غيرها، وهو ما يجعلنا أقرب لعصر الفوضى المعلوماتية، فتخيل معي أن تعمل جهات ذات أهداف شريرة على تطبيق شبيه Zao ولكن بميزانية أكبر بكثير؟
مخاوف واستعداد
المخاوف من استخدام تقنية الزيف العميق لأغراض البلبلة والفوضى لم تغب عن بال بعض الحكومات، ففي الولايات المتحدة قام قدم أحد أعضاء الكونجرس مقترح قانون تجريم هذه التقنية، كما أن وزراة الدفاع الأميركية قامت بتطوير أدوات تساعدهم على تحليل الفيديو لتعرف إذا كان حقيقياً أم مزيفاً، وهناك شركة هولندية باسم Deeptrace تعمل على صناعة مكافح للزيف العميق (على غرار مكافحات الفيروسات).
سيشكل الزيف العميق جزءاً من المشاكل القادمة التي سوف نحتاج للتعامل معها، وكما عانينا من مشاكل الفوتوشوب في العقود الماضية، سوف نعاني أكثر من الزيف العميق، ومن يدري قد تصل الفوضى حداً يجعلنا لا مبالين، لأننا فقدنا القدرة على تمييز الحقيقة. وقد نحتاج إلى ارتداء نظارات مزودة بتقنية كشف الزيف العميق وربما نحتاج إلى زراعة شرائح إلكترونية في أدمغتنا مزودة بمكافح الزيف…المستقبل لا يبشر بخير.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق